– مخاطر الائتمان في المصارف الإسلامية و التقليدية
عندما يقوم فرد بما بمقارنة القوائم المالية لكل من المصارف الإسلامية و التقليدية ، فإنه سيجد أن جانب الأموال فيها يتألف بشكل أساسي من الديون ، و رغم أن البنوك الإسلامية تتوافر على أنماط أخرى من التمويل مثل ” المضاربة ” و ” المشاركة ” ، فإنها في الواقع تركز على ” المرابحة ” و ” الاستصناع ” ، و ربما يبرر ذلك بالتطور الهائل للمهارات المصرفية اللازمة لإدارة مخاطر الائتمان ، في حين أن المهارات اللازمة لإدارة مخاطر عقود ” المضاربة ” و ” المشاركة ” مازالت في المراحل المبكرة من التطور .
بالرغم من ذلك فإن ديون المصارف الإسلامية تختلف بطبيعتها عن مثيلتها في المصارف الاعتيادية ، و هذا يؤدي إلى مضاعفات هامة في مخاطر الائتمان ، و تتضمن هذه الاختلافات :
– 1 – عدم السماح بزيادة قيمة الدين بعد صدوره:
توجد فترات لسداد القروض الممنوحة من المصارف الاعتيادية ، و على المدين أن يلتزم بالدفع في تلك الفترات ، و إلا فإنه يعتبر متخلفاً عن أداء الدين إذا تأخر في السداد بدون موافقة إدارة المصرف . و عندما يتأخر المدين عن الدفع أو يعتبر متخلفاً عن الأداء فإن قيمة الدين تزيد بشكل يتناسب مع الفترة المحددة للسداد . و يعتبر الدين في طور الانجاز طالما أن مبلغ الفائدة يدفع باستمرار .
تعتمد البنوك التقليدية على ما يسمى ” بجدولة الدين ” في حال كون المدين غير قادر على تسديد الدفعات في الأوقات المحددة و إذا كان لديه الرغبة على الحفاظ على علاقة العمل مع المصرف و يبدي استعدادا لتحمل معدلا أعلى للفائدة … و هذا هو أساس ” ربا الجاهلية ” الذي اتفق على تحريمه دينياً ( شرعاً )… و يعبر عن ذلك بالعبارة المعروفة التي يقولها المدين للدائن ” إذا مددت لي فترة السداد فإنني سأوافق على زيادة قيمة الدين “، أو بالعبارة التي يقولها الدائن للمدين ” إما أن تسدد الدين.. و إلا سأزيد قيمته “… هذا الأسلوب من التعامل غير مسموح به في المصرف الإسلامي ، حيث أن المدين إذا قام بشراء ملكية متحركة أو ثابتة من البنك عن طريق عقد ” المرابحة ” أو ” الاستصناع ” أو بأنماط ” الإجارة ” أو ” الإمتناء ” و من ثمّ تلكأ في الدفع فإن البنك لايمكنه زيادة قيمة الدين كعقوبة لتأخر المدين عن السداد … إلا أن بعض المصارف الإسلامية التي تعرض عقوبة التأخير عن الدفع كعائق للتأخر في السداد ، فإنها تتبرع بمتحصلات العقوبة لأعمال الخير ، و من غير الجائز لهذه البنوك أن تستفيد من هذا النوع من الإيرادات و اعتباره كمصدر معترف به للدخل .
تلجأ المصارف الإسلامية إلى اتخاذ إجراءات أخرى للتقليل من مضاعفات هذه المشكلة على عائداتها و فيما يلي بعضاً منها :
1 - احتساب معدل أعلى للزيادة في السعر عند المبيع عن طريق الائتمان ، بحيث يمكن زيادة السعر وفقاً للنموذج المفترض لأداء دفعات الزبون و هذا يؤدي إلى تحميل عبء أكبر مقارنة بالقروض التجارية.
2 - إقرار التعاملات بافتراض أن المدين يميل إلى التخلف عن الدفع و المحافظة على سعر مرتفع جداً ، محتسب على أساس أن السداد سيكون بدفعات متأخرة ، لذلك ينشأ جدولين للسداد ، فإذا التزم المدين بالدفع عند الاستحقاق وفقاً للجدول الأول ، فإن جزء من السعر المضاعف سيسترد قيمته لصالح المدين بينما يحتسب الجدول الثاني على أساس التأخر في السداد حيث يتوجب دفاع القيمة الكلية للسعر.
– 1 – 1: هل عدم السماح بزيادة قيمة الدين بعد صدوره يزيد من مستوى مخاطر الائتمان ؟
ليس من الممكن القول إن عدم إمكانية إضافة زيادة للدين ستؤدي بالضرورة لإضافة في خطر الائتمان … و السبب في ذلك أن هذه الإضافة تهدف أساسا إلى إعاقة التخلف عن السداد و لايمكن اعتبارها وسيلة صالحة لزيادة الأرباح ، و إن مستوى الخطر يعتمد على أنواع الزبائن و اختياراتهم ، و بالأخذ في الحسبان الظروف التي يخضع لها معظم المتأخرين في السداد ، فإنه ليس مجدياً للمصرف أن يفرض قيماً مضاعفة عليهم ، لأنهم سوف يتأخرون في سداد هذه الزيادات أيضاً .
و أكثر من ذلك ، فإنه ليس من الممكن القول أن البنك يمكنه تعويض هذه المبالغ عن طريق حجز الرهون لأن ذلك لا يؤدي إلى نتيجة ما إلا في ظروف نادرة . إذاً .. فإن هدف الإضافة هو الإعاقة عن عملية التأخير في السداد. إن لجوء المصارف الإسلامية إلى فرض العقوبة على الزبون المتلكئ و التي توزع قيمتها فيما بعد على أعمال الخير ، هو إجراء كاف للوصول بمستوى المخاطرة في عقود ” المرابحة ” إلى مثيله عند منح قروض من قبل المصارف التقليدية … و قد أظهرت تجارب البنوك المختلفة أن خطر الائتمان في عقود ” المرابحة ” لا يختلف عنه في حال منح القروض التجارية وفقاً لهذا المنظور بالذات .
– 2: تأثير نوع العقد على مستوى المخاطرة:
إن الفرق الرئيسي بين المصارف الإسلامية و التقليدية يكمن في أن الأخيرة تعمل وفقاً لمبدأ القروض و العلاقة فيما بين المصرف و عملائه ، بغض النظر عن نمط التعامل ، هي علاقة ما بين دائن و مدين. بينما المصرف الإسلامي يعمل من خلال أنماط البيع و الشراكة و الإيجار ، و افترض بعض الأشخاص ارتفاع مستوى المخاطرة في عمليات المصارف الإسلامية عنها في المصارف التقليدية . إن وجهة النظر هذه غير صحيحة حيث لايمكن أن يقال أن القروض تحمل مجازفة أقل من تلك التي في عقود المبيع و الشراكة و الإيجار ، و لهذا فإن جهود المصارف الإسلامية بتأدية كافة عملياتها ضمن نطاق ” المرابحة ” لا تؤدي بالضرورة إلى تخفيض قيمة المجازفة البنكية مثلما أن التعامل مع القروض لا يعني مخاطرة أقل .
– 3: منع المتاجرة في الديون:
في المصارف الإسلامية تمنع مبيع دين ماقبل تاريخ استحقاقه إلى شخص آخر غير ذاك المستحق عليه بأقل من قيمته الاسمية مما يوصد الباب على المتاجرة بالديون ، لذلك فإن هذه المصارف لا تستطيع خصم قيم الديون لما يعنيه ذلك من تعامل في الربا … و الأهم من هذا … فإنه ليس بإمكان هذه المصارف الركون إلى نقل ملكية الديون المقيدة في دفاترها عن طريق بيعها لأطراف أخرى … هذه الطريقة في تعظيم قيمة موجودات المحفظة المالية للمصرف التقليدي تتيح له إعادة تشكيل أصوله في تلك المحفظة . و مما لا شك فيه فإن ذلك يؤدي إلى إمكانية إدارة المخاطر بشكل أفضل . و مع ذلك فإن هذا لا يمكن القيام به في مصرف تتكون معظم موجوداته من الديون ، إلا عن طريق بيعها …. حيث أن هذا الإجراء ممنوع في المصارف الإسلامية فإن ذلك يتطلب منها المرونة في إدارة المخاطر لديها و هذا لا يتعلق بمخاطر الائتمان بقدر ما يرتبط بمخاطر السيولة لديها.
– 4: عدم السماح بالخصم المشروط:
يود كثير من الزبائن تسوية ديونهم قبل تاريخ استحقاقها و يعتبر هذا أحياناً الحل الأمثل بالنسبة لهم و للمصرف على حد سواء … و عندما يحدث ذلك فإنهم يعتمدون على فقرات متضمنة في عقد القرض الممنوح لهم و التي تحدد فيها قيمة الخصم المتاح في حال رغبتهم بذلك و يتيح هذا التدبير الاحترازي إمكانية إدارة مخاطر الائتمان بشكل ملائم أكثر … و مهما يكن الأمر فإن هذا الإجراء لا يسمح به في المصارف الإسلامية في عقود ” المرابحة ” و بالرغم من أنه لا شيء يعيق التسوية المبكرة للديون و أنه ليس هناك من خطأ في إعطاء خصم ما للسداد المبكر إلا أن المنع يكمن في اشتراط ذلك الخصم ضمن العقد و عليه فإن البعض يعتقد أن ذلك يسبب أحيانا بعض المجازفة للمصرف و هو اعتقاد خاطئ .
– أسباب المستويات الأعلى للمجازفة في المصارف الإسلامية:
كما اتضح أعلاه فإن بعض الأدوات المستخدمة في المصارف التقليدية بغرض إدارة المخاطر لديها غير مسموح بها في المصارف الإسلامية و هذا يعني أن إمكانية الأخيرة محدودة في التعامل مع مخاطر الائتمان أو مخاطر الأرباح ( مخاطر الفوائد ) ، و ينطبق الأمر نفسه بالنسبة للوسائل المتاحة لها لموازنة الخصوم مع الأصول .. و سبب كل هذا هو الاستخدام المهيمن لأنماط ” المرابحة ” في الوساطات المالية و للعلم فإن عقود المرابحة بلغت ما يزيد عن 90% من مجمل عمليات عديد من هذه البنوك حتى أن بعض منها و التي نجحت في توظيف إنما أخرى من العقود ، فإنها تركز على تلك التي تعطي زيادة في قيمة الدين مثل عقود ” الاستصناع ” و مع الإدراك بان الأصول المالية ناتجة عن ” المرابحة ” ما هي في الواقع إلا عبارة عن ديون فغن إمكانيات العامل معها ستكون محدودة تبعاً للحدود المسموح بها وفقاً للشريعة ، إن عقود المرابحة مكنت ” الآمر بالشراء ” من استخدام خبرة البنوك التقليدية ضمن نطاق الإدارة المالية و المحاسبة لكونها تتيح زيادة قيمة الأصول الشبيهة لتلك الناتجة عن القروض التجارية مما أدى بأولائك الذين يتعاملون مع المصارف الإسلامية إلى مقارنة عبء التمويل عن عقود المرابحة مع العبء الناتج عن القروض التجارية أو بالمقابل ، فإن ذلك قاد إلى نتيجة مفادها أن عمليات المصارف الإسلامية تحمل أعباء أثقل من قروض البنوك التجارية بالإضافة إلى أن التركيز على عقود ” المرابحة ” حرم هذه المصارف من إمكانيات عقود ” المضاربة ” و الأنواع الأخرى من العقود المستندة إلى مبدأ ” المشاركة ” و ” الايجارة ” و ربما يكمن السبب الهام في ذلك أن المصارف الإسلامية تعمل بذات الأسواق التي تعمل بها البنوك التقليدية ، و عليها أن تتنافس معها مما لاشك فيه إن عقود ” المضاربة ” و ” المشاركة ” بكافة أنماطها تتحمل خطراً أعلى من المجازفة الأخلاقية حيث أن هذه الأنماط تعتمد على الثقة بالعملاء إضافة إلى المخاطر المتعلقة بالنشاط التجاري ، و هكذا إذا كانت أخلاق الزبون أقل من المستوى المرغوب فإنه ليس بالإمكان تحقيق الأهداف المرجوة .
و مهما يكن الحال فإن السمة الرئيسية لهذه العقود تتجلى في قدرتها على تجميع كافة أنواع المخاطر و من ثم تضمينها في الربح الناتج
تتألف الاقتصاديات الرأسمالية من قطاعين اثنين :
القطاع الحقيقي الذي تتولد الأرباح فيه نتيجة للعمل و الإنتاج و مصدر المخاطرة فيه تتمثل بالخسائر على الاستثمارات و القطاع المالي و يتكون أساسا من الوساطات المالية … الوظيفة الرئيسية لهذين القطاعين هي إعادة تشكيل الأعباء أو المخاطر و توزيعها بكيفية تؤدي إلى اجتذاب الأرصدة بغرض الاستثمار في القطاع الحقيقي و تزويد الفرص للمدخرين لاختيار المخاطر التي باستطاعتهم تحملها . و بينما يقوم زبائن المصارف التقليدية في النظام الرأسمالي بفصل القطاعين عن بعضهما فإن النموذج المصرفي الإسلامي يقوم أساسا على تكاملهما و بإجراء تدقيق تجريبي بكافة أنواع العقود المسموح بها في المصارف الإسلامية فإنه يتضح أن كافة عقود المبادلات التجارية الممنوعة لها التأثير الأهم في العزل فيما بين القطاعين .
إن عملية التمويل بحد ذاتها هي نشاط حقيقي يؤدي إلى زيادة في إمكانية القطاع الحقيقي في أن ينتج و بالقدر نفسه أن بكامل فيما بين الرأسمال المالي و القطاع الحقيقي .. و هذا النشاط يسفر إلى تحقيق هذه النتيجة بغض النظر عن كون هذا التمويل متأتيا من خلال ” المضاربة ” أو ” الشراكة ” أو ” المرابحة ” أو ” الديون ” . إن مبيع الديون أو المتاجرة بها أو خصمها قبل أوان استحقاقها هي أنشطة تمويلية غير حقيقية بالمعنى الاقتصادي ووجهة نظري أن الأمر نفسه ينطبق على حالة زيادة قيمة الدين كعوض عن التمديد في فترة التسديد .
يؤدي وجود مثل هذه المبادلات إلى نهوض في القطاع المالي و لكن السؤال عندئذ فيما إذا كان باستطاعة الوساطة المالية التقليدية إدارة المخاطر ضمن نطاق القطاع الحقيقي .
و بتعبير آخر : هل باستطاعة الوساطة المالية التي تعمل ضمن نطاق التبادلات المسموح بها شرعاً و يقتصر نشاطها على القطاع الحقيقي أن تدير المخاطر إلى الحد الذي يمكنها من منافسة المؤسسات المالية التقليدية .
يعتبر القطاع الحقيقي منبع لكافة المخاطر لأن الأرباح التي نحصدها و نتحمل مخاطرها هي متواجدة ضمن هذا القطاع و المبادلات المالية الصرفة و التي هي من مبتكرات مالكي المصارف التقليدية لا تتعامل مع المخاطر الكائنة في القطاع الحقيقي و هم في هذا يجهدون لإعادة توزيع المخاطر أو نقلها من جهة إلى أخرى حيث يكون المستثمر مستعدا لتحملها كعوض عن العائد و هذا كله يحدث من خلال العقود الممنوعة ” شرعاً ” .
الخاتمة و النتائج:
من الممكن القول أن المصارف الإسلامية بوضعها الحالي و التي تحمل فيه ديون ضخمة ضمن أصولها تواجه مخاطر أعلى مقارنة بالمصارف التقليدية و هذا يعود أن هذه المصارف مجبرة على استخدام وسائل محددة للتعامل مع مخاطر الائتمان و ذلك ضمن قيود الشريعة.
و يبدو جلياً أن عمليات المصارف الإسلامية حالياً تتركز على الديون و إن إمكانية ادراة مخاطر هذه الديون محدودة آخذين بعين الاعتبار القيود التي تفرضها أحكام الشريعة فيما يختص بالتبادلات المالية .
و مهما يكن الحال: فإننا لا نستطيع الاستنتاج أن نموذج المصرف الإسلامي يتضمن بالضرورة معدلاً أعلى للمخاطرة.. ففي هذا النموذج عندما تكون نسبة الديون فيه عادية أو متواضعة بالنسبة إلى إجمالي الأصول و عندما يتضمن أنواعا متعددة من ” الشراكات ” و ” عقود الايجارة ” و ” المضاربة ” فإنه بوسعه تقديم إمكانيات التشغيل ضمن النطاق المسموح به وفقاً للشريعة ليتعامل بشكل ملائم مع منابع المخاطرة .