إن هدفنا هنا هو إخراج أمتنا من أزمتها العقيدية والمادية . ويجب أن يلاحظ أننا عندما نتحدث عن الزكاة نقصد بالتحديد القطاع التي تنفقه الدولة علي البعد الاجتماعي ويشغل أغلب الاستخدامات . أما الوظائف الأخرى فلها مواردها. فإذا استطعنا تحقيق ذلك بأسلوب علمي وعملي ، فإنه سيتحقق وفر في الموازنة يغني الدولة عن أزمة العجز المتفاقمة واللجوء إلي الاقتراض من الداخل والخارج . وهذا يعتبر من هذه الزاوية إنجازا ضخما يستحق من الجميع دراسته .
ثم لا بد أن يكون واضحا في الأذهان أننا نتحدث عن نظام قديم عفي عليه الزمان . فالمدهش أن العالم المتقدم يتحرك إليه اليوم بالتحول من ضريبة الدخل والضرائب غير المباشرة التي لا تصيب إلا الفقراء وتؤدى إلي سوء توزيع الدخل إلي ضريبة الثروة الصافية . وتستعمل ضريبة الثروة الصافية في سبعة عشر قطرا متقدما ، وهي ضريبة علي الثروة بعد خصم الديون وإعفاء رأس المال الثابت . وهي تشبه ضريبة الأرباح ولكنها ليست علي الدخل وإنما علي الثروة بكافة أشكالها . ومن المعجز أنه يحددها مسجريف في كتابه الحديث بشكل يجعلها قريبة للغاية من نسبة الزكاة نصابها وأوعيتها . أى أن العالم يتحرك نحو شريعة الإسلام بعد ما عاني من شرائعه الوضعية . أما نحن فنتحرك نحو بقاياه العفنة من أدوات ومؤسسات وأعراف ، متصورين أنها منتهي التقدم .
والمقارنة بين الزكاة والضريبة أمر يطول ، فالتهرب يضيق نطاقه في الزكاة ويتسع في الضريبة . وتؤخذ علي صافي الثروة بعد سداد كافة الاحتياجات ، فلا تؤخذ إلا من قادر ، واليوم نجد أن حصر صافي الثروة أسهل من حصل الدخل الذى يسهل التلاعب في نتائجه . ومن ناحية الملاءمة لا تؤخذ الزكاة إلا عند تحقق النماء في التجارة في نهاية العام ، أو بالحصاد في الزراعة . ومن ناحية العدل نجد أن أوعيتها ونسبها وأنصبتها توقيفية لا يمكن تغييرها وتنفصل فيها ميزانية الرعاية الاجتماعية عن ميزانية الدولة ، مما يحقق الاستقرار الضريبي واستقرار توقعات أرباب الأعمال . ثم إنها مخصصة لمصارف معينة لايجوز الخروج عليها ، فلا يمكن لأحد أن يوجهها لهوى من باب إلي باب . ومن طبيعة الزكاة أنها محلية فلا تخرج من بلدها حتي تكفيه ، ومن ثم تشيع التنمية في المحليات ، بعكس الضريبة التي تتركز في المدن وما تسببه من مشكلات بيئية وخدمية ومعيشية .
هذا هو أسلوب الإسلام الذى يتحقق به الأخذ من الأغنياء تحديدا والرد علي الفقراء تحديدا . ونجح هذا الأسلوب في تحقيق نمو وازدهار لا زال حديث الدنيا حتي اليوم . ويروى لنا التاريخ الموثوق فيه ، أن عمر بن عبد العزيز كان يبحث عن الفقير فلا يجده حتي أنه وجه مصارف الزكاة إلي تزويج الشباب وعتق العبيد وسداد الديون والقرض الحسن للزراع ، فأى مجتمع هذا الذى فاض فيه الخير بالتقوى والعدل ؟ يقول تعالي : ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ ولَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)
يقول أبو عبيد : سمع عمر وهو يقول لهني حين استعماله علي أرض الربذة التي حماها لخيل المسلمين : يا هني أضمم جناحك عن الناس ، واتق دعوة المظلوم ، فإنها مجابة ، وأدخل رب الصريمة والغنيمة . ودعني من نعم ابن عفان وابن عوف . فإنها إن هلكت ماشيتهما رجعا إلي نخل وزرع ، وإن هذا المسكين ، إن هلكت ماشيته جاء يصرخ يأمير المؤمنين . أفالكلأ أهون علي أم غرم الذهب والورق
المصدر:
http://www.yusufkamal.com/art10.htm