الصيرفة الإسلامية وندرة الكفاءات المؤهلة
لاحم الناصر
كنت في احد الأيام أجري مقابلات مع بعض المتقدمين لوظيفة في إحدى المؤسسات المالية، وكان من بين من قابلت احد الموظفين في مؤسسة مالية ضخمة تقدم خدمات الصيرفة الإسلامية.. قدم لي الموظف بطاقة التعريف بعمله أو ما يصطلح عليه (بالبزنس كارد) فإذا بوظيفته مسوق صناديق إسلامية، سألته وكنت على ثقة بمعرفته للإجابة عن احد الصناديق الإسلامية الموجودة لديهم والذي يستثمر في الأسهم الدولية ما هو نشاطه فانطلق يخبرني أن نشاطه استصلاح الأراضي الزراعية وبناء المساكن، سألته صندوق الأسهم يستثمر في استصلاح الأراضي الزراعية، ألا تتاجرون في الأسهم قال لا حرام، ولكم أن تتخيلوا الصدمة وخيبة الأمل التي أصابتني جراء هذا الجهل المطبق بما كان من المفترض انه خبير به، هذه القصة بالطبع يجب ألا تدفعنا إلى تعميم هذا المثال على جميع العاملين في مجال الصيرفة الإسلامية؛ فهناك المحترفون الأكفاء في هذه الصناعة ولكنهم للأسف نادرون. فيا ترى ما السبب وكيف نعالج هذا الموقف؟
اعتقد أن السبب يعود في البداية إلى حداثة هذه التجربة. فلم توجد بعد الكفاءات التي تمزج بين الخبرة العملية المهنية والخبرة الأكاديمية القادرة على نقل هذه التجربة إلى الأجيال الجديدة العاملة في هذه الصناعة عبر المؤسسات الأكاديمية مثل الجامعات والمعاهد والمؤسسات التدريبية، فنجد أن العاملين في حقل التدريب المصرفي الإسلامي بين شخصين أما صاحب خبرة عملية مهنية عالية، ولكنه غير مؤهل علميا أو شخص أكاديمي لم يمارس العمل المصرفي مما اضعف من قيمة الدورات التدريبية التي تقدمها المؤسسات المالية لموظفيها ولم تحقق المرجو منها كما أن التدريب المصرفي الإسلامي يعاني في كثير من الأحيان من عدم التخصص فتجد الدورات الشرعية والمحاسبية يقدمها شخص واحد فتتعدد أسماء الدورات وتتكرر الوجوه، ولعل هذه الآفة وأقصد بها عدم الإيمان بالتخصص هي آفة عامة في جميع المجالات لدينا وليست مقتصرة على الصيرفة الإسلامية بل هي جزء من ثقافتنا، وقد وردني قبل أيام بريد من أحد الإخوة العاملين في احد البنوك المحلية يذكر فيها أن الدورات التي تقدم في هذا المجال غير مفيدة وانه قد أصيب بالإحباط مما يقدم في الدورات التدريبية لعدم معرفة المدربين بواقع العمل المصرفي ويأسه من الاستفادة منها. وإذا أردنا الارتقاء بالمستوى المهني للعناصر البشرية العاملة في قطاع الصيرفة الإسلامية وتأهيل جيل جديد للعمل في هذه الصناعة، فيجب أولا: البحث عن الكفاءات المؤهلة علميا وعمليا لتقديم هذه الدورات التدريبية بحيث يتحقق الهدف منها.
ثانياً: التنسيق بين المؤسسات الأكاديمية والمؤسسات المالية الناشطة في مجال الصيرفة الإسلامية لإنشاء أقسام خاصة للصيرفة الإسلامية تتبناها هذه المؤسسات وتدعمها بحيث يكون من ضمن الساعات الأكاديمية عدد من الساعات العملية التي يقضيها الطالب في إحدى هذه المؤسسات المالية أو ما يسمى في الطب بسنة الامتياز، ومن ثم تقوم هذه المؤسسات باستيعاب الخريجين المؤهلين من هذه الأقسام. والحقيقة التي سأذكرها للتاريخ هنا وبحكم عضويتي السابقة في لجنة الصيرفة الإسلامية، هي أن العاملين في صناعة الصيرفة الإسلامية في المملكة مهتمون بهذا الجانب وهناك محاولات لتنفيذ مثل هذا المقترح.
وفي الختام إن مما يؤسف له أن الصيرفة الإسلامية غدت حِماً مستباحاً؛ فكل من قدم بحثا أو عمل في بنك إسلامي أصبح خبيرا في الصيرفة الإسلامية، فكثر الخبراء في الصيرفة الإسلامية ممن لا يعرفون أبجدياتها وهذا أضر كثيرا بهذه الصناعة.