* تـمـهـيـد:
يتطلب الأمر قبل التعرض للأدوات والأساليب المستخدمة في تقييم إقتراحات الإنفاق الرأسمالي في ظروف التأكد وعدم التأكد، تحديد مفهوم الإستثمارات الرأسمالية والتي يقصد بها الإستثمارات التي يتوقع أن يوزع العائد منها على عدد من السنوات تزيد عن عام واحد .
ومثال ذلك: الإستثمارات في الأصول الثابتة بمختلف أنواعها، والتي تعتبر بمثابة الأصول الإنتاجية للشركة (المعدات والأجهزة والأدوات ووسائل النقل...)، ويكون إختيار الأصول بمثابة تحديد وإرتباط طويل الأجل للشركة بنوع معين من النشاط وخط معين للمنتجات وطريقة معينة للتشغيل... وهكذا، لذلك يجب توخي الحذر في إختيار وتقييم بدائل الإستثمار في الأصول المختلفة. وتختلف مفاهيم تقييم الإستثمارات في الأصول المتداولة؛ فالأخيرة يسهل عليها تحويلها إلى نقدية إذا رغبت المؤسسة في ذلك، ويكفي تقييم الربحية المتوقعة من هذه الأصول في الأجل القصير فقط.
أما الإستثمارات الطويلة الأجل فهي لا تعطي ربحًا سريعًا في الأجل القصير، لذلك ليس من المنطقي تقييمها على أساس ربحيتها في الأجل القصير، وبذلك لا يمكن القول بأن تخصيص الأموال يترتب عليه أثر في الأجل المتوسط والطويل، هي استثمارات مثل ذلك الحملة الإعلانية وبحوث التطوير حيث تدخل هذه النفقات تحت بند الإنفاق الرأسمالي، أي أن القرار المتعلق بتخطيط وتنفيذ حملة إعلانية أو برنامج للبحوث والتطوير يخضع للدراسة والتحليل شأنه شأن غيره من القرارات الإستثمارية وقد يختلف هذا الوضع عما يحدث في معالجة نفقاته محاسبيًا.
على ضوء ما سبق يمكن إعطاء تعريف عام للإستثمار؛ والذي يعني المبادلة بين الإنفاق الحالي أو المبدئي بالإيرادات المستقبلية.
ومن ثم سنتناول في هذا البحث عدة مفاهيم متعلقة بالإنفاق الرأسمالي من خلال مبحثين:
- مفهوم الإنفاق الرأسمالي، تصنيفاته، وخصائصه.
- قرار الإستثمار، صعوباته، والعوامل المحددة له.
-
I-1- المبحث الأول: مفهوم الإنفاق الرأسمالي، تصنيفاته، وخصائصه:
إن قرار الإنفاق (الإستثمار) الرأسمالي يعني إنفاق الأموال للحصول على الأصول الثابتة، ومن الطبيعي أن هذا الإنفاق يجب أن يساهم في تحقيق الهدف الأساسي للشركة ألا وهو زيادة القيمة السوقية لثروة حملة الأسهم، ولكن هذه المساهمة لن تحصل إلا إذا كان الإنفاق مجديا إقتصاديا، وبتعبير آخر يجب أن يكون الأصل الثابت المرغوب في الحصول عليه مجديًا إقتصاديًا.
I-1-1- المطلب الأول: مفهوم الإنفاق الرأسمالي:
يُقصد بالإنفاق الرأسمالي إستثمار الأموال في أصول تستخدمها المؤسسة لفترات زمنية طويلة، ومن ثم فبالرغم من أن الإنفاق الإستثماري قد يحدث في الفترة الحالية، إلا أن المكاسب التي تحققها والآثار المرتبطة به تستمر لفترة زمنية طويلة. فنجاح المؤسسات في المستقبل يتوقف على سلامة قرارات الإستثمار التي تتخذ في الوقت الحاضر، لذا فإن أي خطأ في تقدير ذلك النوع من الإستثمار، تكون نتائجه خطيرة، وقد يصعب إن لم يكن من المستحيل تصحيح هذه النتائج، وتزداد الخطورة كلما كانت المبالغ المطلوب إستثمارها كبيرة، وكانت الأحوال الإقتصادية في تغير سريع.
إن البعد الزمني لتحقيق نتائج القرار الإستثماري قد يترتب عليه تحقيق آثار سلبية على الأنشطة المختلفة للوحدة الإقتصادية، ومن ثم على وحدتها الإيرادية؛ أيضا قد يؤدي إلى عدم التحكم في العوامل المؤثرة على التدفقات النقدية- الداخلة والخارجة- للإنفاق الرأسمالي أو التنبؤ به على وجه الدقة، وقد ترجع أيضا أهمية هذه الدراسة والتحليل الدقيق لإتخاذ قرار الإستثمار إلى أن الأموال المخصصة للإنفاق الرأسمالي تكون عادة محدودة وذات تكلفة مرتفعة، وبالتالي يجب أن يتم إتخاذ القرارات الإستثمارية بطريقة تجعل العائد المتوقع من المشروعات، محل هذه القرارات أكبر من تكلفة الحصول على الموارد المالية المخصصة للإنفاق.
مما سبق يمكن القول أن أهم ما يميز قرار الإنفاق الرأسمالي أنه:
- إلتزام طويل المدى لإستثمار الأموال.
- مراهنة على المستقبل.
فالمراهنة لا تخلو من المخاطر، وقرار الإستثمار ما هو إلا مراهنة على صرف مبلغ مؤكد الآن مقابل أمل يمكن تحقيقه والوصول إليه مستقبلاً. " والأمل في شيء لا يعني إقتنائه ".
I-1-2- المطلب الثاني: تصنيف الإستثمارات (وفق الشكل، ووفق الهدف):
تنطوي قرارات الإنفاق الرأسمالي على أنواع متعددة من الإستثمارات والتي يمكن تصنيفها طبقا للعديد من المعايير التي تناولها كتاب الإدارة المالية، ولكن سنقتصر على عرض ثلاثة أنواع فقط من التصنيف، الأول طبقًا للغرض أو الهدف من الإستثمار، والثاني يختص بالتصنيف طبقًا لشكل وتوقيت التدفقات النقدية، أما الثالث فيتم وفقًا للعلاقة بين الإقتراحات الإستثمارية المختلفة في برنامج إستثماري واحد.
أولاً: التصنيف وفقًا للهدف أو الغرض:
يأخذ الإنفاق الرأسمالي وفقًا لهذا التصنيف – أي حسب الغرض – أشكالاً متعددة، ولكن يمكن تجميعها في ثلاث أنواع رئيسية:
* الإستثمارات الإحلالية: ويمكن التمييز بين نوعين من الإستثمارات؛ الأول يهدف إلى إحلال أصول جديدة مكان الأصول القائمة والتي انتهى عمرها الإنتاجي بالإهتلاك، وهذا النوع لا يؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للوحدة الإقتصادية بل المحافظة على الطاقة القائمة. أما الثاني، فيهدف إلى إحلال أصول قائمة ما زالت صالحة للإستخدام إلا أنها متقادمة فنيا، وهذا النوع من الإستثمار هو الأكثر شيوعًا، ويرمي أساسًا إلى تخفيض تكلفة الإنتاج أو تحسين الأداء ويطلق عليه أيضا استثمارات بغرض التطوير.
* الإستثمارات التوسعية: والغرض منها هو تمكين المنشأة من مواجهة زيادة الطلب في المستقبل، وهذا يتم إما بزيادة الإنتاج القائم دون تغيير في تشكيلة المنتجات الحالية، وإما بإضافة خطوط إنتاج جديدة، وهنا تتغير تشكيلة المنتجات القائمة وهذا النوع من الإستثمارات يكون الغرض منه زيادة الطاقة الإنتاجية للمؤسسة.
* الإستثمارات الإستراتيجية: وهذا النوع من الإستثمارات يصعب تقدير عائده المتوقع كميًا على عكس الأنواع السابقة، وذلك لإرتباطها بعوامل غير مالية من الصعب قياسها، ويندرج تحت هذه الإستثمارات ما ترى المؤسسة أنها ضرورية لبقائها وإستمرارها، كالإنفاق على البحوث والدراسات المختلفة، أيضًا إذا تناول الإنفاق الإستثماري بناء وحدات سكنية للعاملين... فمثل هذه الإستثمارات لها آثار مباشرة على كفاءة أداء العاملين، وبالتالي تؤثر بطريقة غير مباشرة على الإيرادات والمصروفات إلا أنه يصعب تقدير المكاسب الناجمة عنها تقديرًا كميًا دقيقًا.
ثانيًا: التصنيف وفقًا لشكل وتوقيت التدفقات النقدية:
يقصد بالتدفقات النقدية تلك الناجمة عن الإقتراح الإستثماري سواءًا كانت تدفقات خارجة أو داخلة، وهنا يمكن التمييز بين ثلاثة أشكال وهي:
* الأول خاص بالإستثمارات حيث تدفقاتها النقدية سواء الخارجة (أي قيمة الإستثمار المبدئي) أو الداخلة (أي العائد أو المكسب) المتوقعة منها، يتم مرة واحدة في لحظة زمنية معينة، ومن أمثلة ذلك: الإستثمارات في الأراضي أو التحف أو المجوهرات حيث يتمثل التدفق النقدي الخارج من ثمن الشراء وهو يتم في لحظة معينة، أيضا العائد (المكسب) المتوقع يتمثل في ثمن البيع في لحظة معينة.
* والثاني يتضمن الإستثمارات التي يكون فيها التدفق الخارج أي الإستثمار المبدئي يحدث خلال فترات زمنية متعددة، بينما العائد المتوقع من هذه الإستثمارات أي التدفق النقدي الداخل يتم الحصول عليه في لحظة زمنية معينة، ومن أمثلة ذلك الإستثمار في إنتاج منتج نهائي، حيث يتطلب هذا الإنفاق مراحل زمنية معينة طبقًا للعمليات المطلوبة، بينما العائد المتوقع يتم الحصول عليه خلال لحظة معينة.
* أما الثالث وهي الإستثمارات التي تتطلب دفع قيمة الإستثمار المبدئي في لحظة معينة واحدة، بينما يترتب على ذلك سلسلة من التدفقات الداخلة على فترات زمنية، مثل ذلك حالة شراء أصل من الأصول في لحظة معينة والعائد المتوقع منه لا يستمر لعدد من السنين. ومن منطلق هذا المفهوم يمكن إضافة نوع رابع وهو يشمل الإستثمارات التي تتم تدفقاتها النقدية سواء الداخلة أو الخارجة على فترات زمنية متعددة.
ثالثًا: التصنيف طبقًا لطبيعة العلاقة بين الإقتراحات الإستثمارية:
طبقًا لهذا المعيار تأخذ العلاقة بين الإقتراحات الإستثمارية ثلاثة أشكال أساسية وهي:
* الإقتراحات الإستثمارية المستقلة: يوصف البرنامج الإستثماري الذي يتضمن مجموعة من الإقتراحات بأنه مستقل، وطالما أن ربحية أي إقتراح لا تتأثر بتنفيذ أو عدم تنفيذ الإقتراحات الأخرى في هذا البرنامج، فمثلاً إحلال آلة جديدة مكان أخرى مهتلكة تعتبر إقتراح مستقل تمامًا عن الإستثمار في حملة إعلانية لمنتج جديد فواضح أن قبول الإقتراح الأول لا يتطلب تنفيذ الإقتراح الثاني كما لا يرتبط بقبوله أو رفضه.
* الإقتراحات الإستثمارية المتعارضة: وهي متعارضة لأنه لو تم تنفيذ أحدها لا يمكن تنفيذ الإقتراحات الأخرى مثلاً: لو واجهت مدير الإنتاج مشكلة الإختيار بين ثلاثة أنواع بديلة من الآلات التي تقوم كل منها بأداء نفس الوظيفة فإذا وقع الإختيار على إحداها، فإن ذلك يعني ضمنيًا رفض البديلين الآخرين.
* الإقتراحات الإستثمارية المتصلة أو المرتبطة: وهي عكس الإستثمارات المستقلة أو المتعارضة حيث أن تنفيذ إحداها يتطلب بالضرورة تنفيذ الإقتراحات الأخرى. وهنا يمكن التمييز بين نوعين من الترابط: هناك إقتراحات يتطلب تنفيذ إحداها ضرورة تنفيذ الآخر مسبقًا.
وبالرغم من تعدد هذه التصنيفات غير أنه يبدو التصنيف الأكثر شيوعًا وإستخدامًا هو ذلك الذي يتم طبقًا للغرض أو الهدف من الإستثمار، أوضحته نتائج بعض الدراسات والإستقصاءات التي أجريت على العديد من الشركات في أوروبا وأمريكا.