زكاة الأموال الموقوفة والجمعيات الخيرية
- محمد أديب كلكل
دفع الزكاة إلى الفروع
كثيرا ًما يقرأ البعض في كتب الفقه في بحث مصارف الزكاة العبارة التالية: "ولا يجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه نفقته من أصل أو فرع"، ويبني عيها حكماً خاطئاً وهو عدم جواز دفع الزكاة إلى الأصول أو الفروع على الإطلاق، ويوردها في دروسه ومجالسه،ويتحدث عنها في خطبه من غير تفصيل في ذلك ، علماً أنها عبارة واضحة ، ولكنها تحتاج إلى شيء يسير من التفصيل ، ونحن إذا رجعنا إلى بحث (النفقة) في كتب الفقه يتبين لنا أن الأصول تجب نفقتهم على الفروع بشرطين:
الأول: الفقر .
الثاني:المرض المزمن ، أو العاهة التي تمنع عن الكسب اللائق بالمثل ، وبانعدام هذين الشرطين تسقط النفقة على الفروع للأصول.
وأما الفروع فتجب نفقتهم على الأصول بثلاثة شروط :
الأول:الصغر مع الفقر .
الثاني :الفقر والمرض المزمن .
الثالث :الفقر والجنون ، وإنما وجبت النفقة عند هذه الثلاثة لتحقق الاحتياج عند وجودها ، فمتى أصبح الفرع بالغاً عاقلاً صحيح الجسم ، قادراً على الكسب اللائق بمثله ويجد العمل سقطت نفقته عن أصله وإن لم يكن مكتسباً بالفعل على الأصح.
ويستثنى ما لو بعلم شرعي ويرجى منه النجابة والكسب يمنعه فتجب نفقته حينئذ ولا يكلف الكسب .
وبناء ًعلى ما تقدم: يجوز للوالد وإن علا أن يعطي الفرع وإن نزل من مال الزكاة عند تحقق الاحتياج ، وانتفاء الشروط الثلاثة المتقدمة ، لأن مدار جواز الإعطاء والمنع يدور مع وجوب النفقة وعدم وجوبها.
مثال على ذلك: إن نفقة الزوجة و لو موسرة واجبة على زوجها ، ولذا لا يجوز للزوج أن يدفع زكاته إلى زوجته الفقيرة باسم الفقراء والمساكين ، وعلى العكس تماماً يجوز للزوجة الغنية أن تدفع زكاة مالها إلى زوجها الفقير ولو أنفق ذلك عليها لأنه لا نفقة له عليها وهو مذهب الشافعي والثوري وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد.
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتاب (المجموع): 6/229 "إذا كان الولد أو الوالد فقيراً أو مسكينا ًوقلنا في بعض الأحوال (لا تجب نفقته) فيجوز لوالده وولده دفع الزكاة إليه من سهم الفقراء والمساكين لأنه حينئذ كالأجنبي". وقال في مكان آخر: "يجوز دفع الزكاة للقريب الفقير الذي لا تجب نفقته عليه ، ولا يجوز دفعها إليه من سهم الفقراء والمساكين إذا كانت نفقته واجبة عليه".
وقال: "لا يجوز للإنسان أن يدفع إلى ولده ولا والده الذي يلزمه نفقته من سهم الفقراء والمساكين لعلتين: إحداهما، أنه غني بنفقته، والثانية: أنه بالدفع إليه يجلب إلى نفسه نفعاً وهو منع وجوب النفقة عليه.
وتعريف الزكاة: تمليك جزء مخصوص من مال مخصوص عيّنه الشارع لمستحقه مع قطع المنفعة عن الملك. فلو وجبت النفق وقدرت بمقدار لا يكفي جاز دفع الزكاة لمن تلزمه نفقته.
وقد ذكر فضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق في كتابه (فتاوي شرعية) عن كتاب (الفتاوي الظهيرية) من كتب الحنفية ما يلي: "ويبدأ في الصدقات بالأقارب ، ثم الموالي ، ثم الجيران. ولو دفع زكاته إلى من نفقته واجبة عليه من الأقارب جاز إذا لم يحتسبها من النفق".
وفي كتاب(المبسوط) للسرخسي رحمه الله تعالى: 2/223 "وإن كانوا (الأولاد) فقراء ذكوراً بالغين لم يجبر الأب على الإنفاق عليهم لقدرتهم على الكسب إلا من كان منهم زمناً أو أعمى أو مقعداً".
وفي كتاب (بغية المسترشدين) بتلخيص فتاوى المتأخرين: ص106 "ويجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه نفقته من سهم الغارمين بل هم أفضل من غيرهم لا من سهم الفقراء والمساكين ، إلا أن يكفيهم ما يعطيهم إياه". ثم قال: "ويجوز دفع الزكاة لولده الفقير المكلف بشرطه (أي البالغ العاقل القادر على الكسب اللائق بمثله) إذ لا تلزمه نفقته ولا تمامها على الراجح ، وإن كان فقيراً ذا عيلة ، وكان ينفق عليه تبرعاً ، بخلاف من لا يستقل كصبي وعاجز عن الكسب بمرض أو زمانة أو أعمى لوجوب نفقته على الوالد فلا يعطيه المنفق قطعاً ولا غيره على الراجح حيث كفته نفقة المنفق".
وفي كتاب(فتح العلام) للجرداني: 3/161 "لو كان الولد فقيراً وله عائلة كزوجة يحتاج للنفقة عليها جاز له أن يأخذ من الزكاة ما يصرفه في ذلك ، لأنه إنما يجب على أصله نفقته لا نفقة عياله ، فيأخذ من صدقة أبيه ما زاد على نفقة نفسه... إلى أن قال: ورأيت في حاشية العلامة الصفتي المالكي: أن الأولاد إن بلغوا عقلاء فقراء سقطت نفقتهم عن أبيهم وجاز لهم أن يعطيهم من الزكاة" وفي الصفحة: 180 منه مثل ذلك.
وفي كتابه(الفقه المنهجي): 8/66" ومثل ذلك من ذكر في جواز صرف الزكاة إليهم: أبناؤه الكبار القادرون على الكسب، ولا كسب لهم يكفيهم".
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في اختياراته: ص 61-62 "ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا ، وإلى الولد وإن سفل، إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم. قال: وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد".
وعند المالكية كما في المدونة الكبرى للإمام مالك رحمه الله تعالى: 1/298 وقوانين الأحكام الشرعية لابن جزي: ص 246" لا تجب النفقة إلا على الأب لأولاده الذين من صلبه بشرط أن يكونوا صغاراً، وأن يكون لهم مال، ويستمر وجوب النفقة على الذكور إلى البلوغ، والإناث حتى يتزوجن ويدخل بهن أزواجهن، بخلاف ولد الوالد فلا نفقة لهم على جدهم، كما لا تلزمهم النفقة على جدهم، وتلزم الولد النفق على أبويه الفقيرين".
ومعنى ذلك: أنه يجوز للوالد أن يعطي ولده من زكاته عند تحقق الاحتياج، ومتى جاوز الذكر البلوغ، ومتى تزوجت الأنثى ودخل بها زوجها سقطت النفقة عن أبيهما لهما، وجاز للأب أن يدفع الزكاة لهما. وبهذا يتبين أن دفع زكاة الوالد إلى ولده الفقير بالشروط المعتبرة جائز، والله تعالى أعلى وأعلم.
التحميل:
http://kantakji.org/fiqh/Files/Zakat/za-1.htm