مستقبل الصيرفة الإسلامية
تعتبر الصيرفه الإسلامية حديثة عهد قياسا بالتقليدية فأول ظهور لها كان في العام 1971م، أما الآن فيقدر عددها بنحو 300 مؤسسة تنتشر في جميع أنحاء العالم بإجمالي موجودات تبلغ 300 مليار دولار، ومن المتوقع نمو هذه الموجودات إلى 1.85 تريليون دولار بحلول عام 2013م بنسبة نمو 24% سنوياً (وفق تصريح الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الدكتور عز الدين خوجة) ويلاحظ ان كثير من المصارف على مستوى العالم بدأت اعتماد صيرفة إسلامية أو إدخالها ضمن نشاطها، وقد صرح عمدة لندن مؤخرا بأنهم يعملون على أن تكون لندن مركزا للتعاملات الإسلامية.
ويوجد حالياً صيرفة إسلامية في بريطانيا والولايات المتحدة التي أسست مؤخرا مصرفيين إسلاميين في بريطانيا، وغيرها من الدول بل إن الخزانة الأمريكية وحسب تداول من بعض وسائل الإعلام تفكر بإصدار سندات إسلامية، ومن الملاحظ في المملكة توجه بعض المصارف إلى تحويل المصرف من تقليدي إلى إسلامي مثل البنك الأهلي الذي وصل عدد فروعه الإسلامية إلى أكثر من 85% من إجمالي عدد الفروع في الوقت الحالي، وبنك الجزيرة الذي تحول ومنذ نهاية العام 1999 إلى مصرف إسلامي بالكامل ومصرف الراجحي الأول على مستوى المملكة والأكبر على مستوى العالم باعتماده الصيرفة الإسلامية, إضافة إلى تقديم منتجات إسلامية من قبل بعض المصارف التقليدية مثل سامبا والبريطاني والاستثمار وافتتاح أكثر من 100 فرع إسلامي لبنك الرياض، واعتماد بنك البلاد احدث المصارف المحلية الصيرفة الإسلامية في تعاملاته.
والسبب يعود كما يقول الدكتور البلتاجي إلى ارتفاع الطلب على المنتجات الإسلامية من قبل العملاء، والاهم من ذلك ارتفاع أرباح المصارف الإسلامية بحكم أنها أكثر مخاطرة وكل ما ارتفعت المخاطرة ارتفع العائد.
ويضيف الأستاذ القباني أن المصرفية الإسلامية لا تزال في بدايتها وتشهد خاصة في السنوات الأخيرة إقبالا منقطع النظير حتى في أوربا ويضيف أنها تحتاج إلى 6 سنوات على الأقل لتؤسس أرضية صلبة تمكنها من الاستمرار والاستفادة أكثر من الأموال الموجودة في النظام المصرفي الإسلامي، مشيراً إلى أن الاستفادة لا تزال ضعيفة لضعف المنتجات الإسلامية.
ويتوقع بعض المختصين أن يدار مايقارب70 % من حجم الأموال الإسلامية من قبل مصارف ومؤسسات إسلامية خلال السنوات القليلة القادمة، بل أن يدار الاقتصاد العالمي بمفهوم ومتطلبات نظام الاقتصاد الإسلامي، ولكن كما يقول الأستاذ طلعت حافظ تحتاج صناعة الصيرفة الإسلامية إلى توحيد جهود حكومات الدول الإسلامية بما في ذلك البنوك المركزية للتعامل مع جملة التحديات والمخاطر التي تواجهها، بحيث يمكن لهذه الصناعة أن تتطور وان تزدهر لتحل - بإذن الله - بديلا قويا ومنافسا لصناعة المصرفية التقليدية، وقد وافقه الرأي الدكتور يوسف الشبيلي عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء الذي قال إن التحول سهل ولكن يحتاج إلى تضافر الجهود من قبل الدول الإسلامية وبنوكها المركزية .
هل يمكن تحويل قطاع المال إلى إسلامي؟
يمكن القول إن نواة التحول موجودة حالياً فقد أسس محافظو البنوك المركزية في العالم الإسلامي مجلسا للخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا وهو يعد هيئة تشريعية للقطاع المالي الإسلامي (وهو يؤدي نفس الدور الذي تقوم به لجنة التسويات الدولية في مجال المصارف التقليدية), وبجانب ذلك قامت الدول الإسلامية بتأسيس عدد من القطاعات المالية الإسلامية كبنك التنمية الإسلامي، إضافة إلى تحول بعض البنوك المركزية إلى بنوك إسلامية في ماليزيا وإيران واليمن والسودان، وقيام بنوك تجارية إسلامية داخل الدول الإسلامية وخارجها واعتماد دبي سوق الأسهم سوقاً إسلاميةً.
ويقول الدكتور الشبيلي في هذا الصدد انه يمكن التحول بسهولة وفي كل القطاعات المصارف، التأمين، الاستثمار وغيرها ويضيف أن كل هذه القطاعات يوجد لديها بدائل إسلامية تغني عن المنتجات التقليدية، ولكن تحتاج إلى جهود الدول فما تم غير كاف للتحول.
ويضيف الأستاذ طلعت حافظ أن التحول ممكن ولكن لا يمكن الفصل عن القطاع التقليدي، وبين أن مؤسسة النقد في المملكة يمكن لها التحول ولكن يجب أن يكون ذلك على مراحل وليس دفعة واحدة. وقد اتفق الدكتور الشبيلي والأستاذ طلعت حافظ على أن المملكة كان يجب أن يكون لها السبق في التحول بحكم مركزها الإسلامي كمهبط للوحي وبوجود الحرمين الشريفين.
منتجات إسلامية أم تحايل؟
لا يكاد يخلو مصرف من المصارف المحلية من وجود هيئة شرعية تشرف على توافق منتجات المصرف مع الشريعة الإسلامية، ولكن وعلى الرغم من ذلك فقد برز في الآونة الأخيرة تشكيك في توافق المنتجات التي تقدمها المصارف مع الشريعة الإسلامية سواء عبر وسائل الإعلام أو أحاديث عامة الناس، وبلا شك فإن ذلك يعد أهم المخاطر التي تواجه المصارف، وفي هذا الصدد قال عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء الدكتور عبد الله السلمي في ندوة (المصرفية الإسلامية) في فبراير الماضي: (لا تتطور المصرفية الإسلامية إلا بتطور المفاهيم مع الوقت الذي أنشي فيه أول مصرف إسلامي نجد أن بعض الفتاوى التي تساهلت جدا ولم تغير تلك القناعات وأصبحنا نرى توسعا مخيفا في الصورية والتحايل على الربا).
وقد اعترف الدكتور الشبيلي بوجود بعض المنتجات في بعض المصارف ظاهرها متوافق مع الشريعة وباطنها لا يمت بصلة للشريعة الإسلامية، ووافقه الأستاذ القباني على وجود مثل تلك الصور في بعض المصارف لقصد التسويق.
ورغم ذلك فلا يمكن التعميم فكثير من أعضاء مجالس إدارات المصارف لا يسمحون بالتحايل، كذلك موظفو المصارف يحرصون على الكسب الحلال، والهيئات الشرعية الموجودة في المصارف تراجع وتراقب أعمال المصرف فحسب مصرفي يقول إن الهيئة الشرعية في المصرف تراجع أعمالنا بشكل دوري وتحرص على ألا يكون هناك ما يخالف الضوابط المنصوص عليها.
وبين الدكتور الشبيلي أن الغالب هو توافق صيغة المنتج وعقده وأدائه مع الشريعة الإسلامية وإنهم في الهيئات الشرعية يتابعون المعاملات بعد إجازتها.
بازل والمصارف الإسلامية
أقرت لجنة التسويات الدولية مؤخراً معايير رقابية للمصارف عرفت ب(بازل II) وكانت المملكة واحدة من الدول المعنية بتطبيق معايير اللجنة الجديدة، وقد استضافت مؤتمرا بهذا الشأن وقد نظمته دار الخليج للبحوث والاستشارات في 1-11-2006م.
وبازل مدينة سويسرية تحتضن مقر لجنة التسويات الدولية الذي سمى اتفاقيته الأولى التي تعنى بحساب مخاطر الائتمان نسبة إليها، وبعد أن أدت الأزمات المالية التي تعرضت لها المصارف الكبرى في العالم رأت المؤسسات المالية الدولية كبنك التسويات وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمصارف ضرورة تطوير الاتفاقية لتحقيق ضمانات عدم تعرض المصارف للأزمات الحادة التي تؤثر في مراكزها المالية مستقبلا فقامت اللجنة بتعديل اتفاقيتها في العام 1999م لتشمل مخاطر السوق، ومخاطر التشغيل وأصدرت اتفاقية عرفت ب(بازل II) وهي امتداد لبازل I ووجهت المصارف بتطبيقها قبل نهاية العام 2006م.
ولما كانت المصرفية الإسلامية تختلف عن المصرفية التقليدية في مجمل تعاملاتها ومحاسباتها كان حريا بالمعنيين محاكاة تلك المعايير الدولية بما يتناسب مع طبيعة المصرفية الإسلامية ولذلك قام مجلس الخدمات المالية الإسلامية بإيجاد معاير رقابية خاصة بالمصارف الإسلامية ويمكن تسميتها مجازا ببازل الإسلامي، وقد أصدر المجلس مؤخرا ثلاثة معايير رئيسه هي معيار كفاية رأس المال، معيار المخاطر، ومعيار حوكمت الشركات وقد استضافت المملكة أيضاً ممثلة في مؤسسة النقد ندوة في المعهد المصرفي بعنوان (المعايير الاحترازية للمصرفية الإسلامية) في الخامس عشر من يناير الماضي.
ويقول الدكتور محمد البلتاجي إن معايير بازل II لا يمكن تطبيقها على المصرفية الإسلامية لأن طبيعة الصيرفة التقليدية تختلف عن الإسلامية من حيث نوعية التمويل والمنتجات والودائع وربط العميل بالمصرف ونوعية صناديق الاستثمار وغيرها، ولذلك حاول مجلس الخدمات المالية الإسلامية ومنذ أكثر من 3 سنوات إيجاد معايير خاصة بالصيرفة الإسلامية وأوجد المجلس حتى الآن ثلاثة معايير هي معيار كفاية رأس المال والمخاطر وحوكمت الشركات.