مقدمة:
تختلف طبيعة وأسس التنمية الاقتصادية حسب الإطار الاقتصادي الذي تتبناه كل دولة، غير أنه مهما اختلفت المناهج والأنظمة الاقتصادية من حيث فلسفتها وأطر عملها؛ إلا أنها تسعى إلى تحقيق نفس الغايات وهي رفع مستوى المعيشة، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق رفع معدل الاستثمار وتنويعه، حيث أن هذا الأخير يعتبر الركن الأساسي لعملية التنمية الشاملة والمستدامة.فالاستثمار هو تخصيص الأموال في مجالات مختلفة بشكل يؤدي إلى تعظيم المر دودية الاقتصادية والمالية، كما أنه يلعب دورا إيجابيا في تعجيل التنمية، إلا أن المشكلة الأساسية التي تواجه هذه الأخيرة هي مشكلة تمويلها، وتكمن هذه المشكلة في قصور معدلات الادخار بمختلف أنواعه عن معدلات الاستثمار فتمويل التنمية يكمن في البحث عن مصادر الادخار والبحث عن الوسائل الكفيلة بتعبئة هذه المدخرات لأغراض التنمية، ولا يتم ذلك إلا عن طريق توفر هيكل متكامل من المؤسسات المالية والتنظيمات القادرة على التحريض والتوجيه الجيد لهذه المدخرات لأغراض الاستثمار المنتج. فالسوق المالية أداة تفاعل ومكان التقاء قوى الاستثمار المختلفة، كما أنها تعتبر قناة تمويلية فعالة بالنسبة للدول المتقدمة لتمويل اقتصادها، غير أنها تعتبر آلية جديدة بالنسبة إلى بعض الدول النامية.كما تعد السوق المالية سوق يلتقي فيها البائعون والمشترون لتداول الأدوات المالية، هذه الأخيرة تعتبر بدائل استثمارية متميزة عن بعضها البعض من حيث العوائد التي تدرها والمخاطر التي تنطوي عليها، هذا التميز يجعل المستثمرين يفاضلون بينها على أساس العائد المتوقع الحصول عليه والمخاطر المرتبطة بعدم تحققها. وعليه فعملية المفاضلة بين الأدوات المالية هي عبارة عن عملية استثمارية بالغة الأهمية تنطوي على سلسلة من الدراسات والتحاليل تعرف بالاستثمار المالي.
المبحث الأول: الاستثمار المالي
- أدى تنامي النشاطات الاستثمارية إلى ظهور مشاريع كبيرة تستدعي توظيف أموال ضخمة، ونظرا لصعوبة التمويل وارتفاع كلفة الاقتراض، فقد اتجهت الشركات إلى طرق جديدة لتمويل مشاريعها كفتح رأسمالها للاكتتاب العام، الذي هو عبارة عن تجميع الأموال من المدخرين أصحاب الفوائض المالية واستثمارها في هذه المشاريع. هذا الاستثمار يقوم على أساس طرح أوراق مالية للاكتتاب فيها، هذه الأخيرة تتنوع من حيث العوائد وتواريخ الاستحقاق، وتعتبر الأسهم التي تمثل صكوك ملكية، والسندات التي هي حقوق مديونية من أهم الأدوات الاستثمارية المستخدمة في الاستثمار المالي. وبغرض الجمع ين البائعين والمشترين لهذه الأدوات المالية، فقد أقيم نظام لتسهيل ذلك، والذي يتمثل في سوق الأوراق المالية التي تعد ركنا من أركان السوق التمويلية، ومصدر من مصادر الأموال التي تحتاجها الشركات لتمويل أنشطتها المختلفة، مما يجعل منها أحد الركائز المساعدة على تحقيق النمو الاقتصادي.وللتعرف أكثر على مبادئ وأسس الاستثمار المالي تم تقسيم هذا المبحث إلى: - تعريف الاستثمار المالي وأدواته. - دوافع وأهداف الاستثمار المالي. - خصائص الاستثمار المالي.المطلب الأول: تعريف الاستثمار المالي وأدواته:
الاستثمار المالي هو امتلاك أصل من الأصول المالية على أمل أن يتحقق من ورائه عائد في المستقبل والاستثمار المالي قد يكون من خلال عدة مجالات.وسوف يتم التطرق في هذا المطلب إلى:- تعريف الاستثمار المالي؛- أدوات الاستثمار المالي.1- تعريف الاستثمار الماليأعطيت عدة تعاريف للاستثمار المالي منها:يعرف بأنه: "الاستثمار المتعلق بالأسهم والسندات وأذونات الخزانة والأدوات التجارية والقبولات المصرفية والودائع القابلة للتداول والخيارات....."كما يعرف أيضا على أنه:" شراء حصة في رأس مال ممثلة بأسهم، أو حصة في قرض ممثلة في سندات أو شهادات الإيداع، تعطي مالكها حق المطالبة بالأرباح أو الفوائد أو الحقوق الأخرى التي تقرها القوانين ذات العلاقة بالاستثمار في الأوراق المالية".وعليه فالاستثمار المالي يتضمن توظيف الأموال في أصول مالية، بغض النظر عن شكلها، ويتطلب الاستثمار المالي وجود سوق رأس مال توفر للمستثمر تشكيلة منوعة من أدوات الاستثمار.2-أدوات الاستثمار المالي:تتمثل فيما يلي: 1- أدوات دينتتمثل هذه الأدوات في السندات أو أذونات الخزانة وشهادات الإيداع ....، تعطي لحاملها الحق في الحصول عل فوائد سنوية أو فائدة في نهاية المدة. 2- أدوات الملكية:تشمل الأسهم العادية والأسهم الممتازة، وتمنح لحاملها الحق في التوزيعات والأرباح والحقوق الأخرى المرتبطة بتسيير الشركة كالتصويت والمراقبة.3- أدوات مركبة تتمثل في محفظة الأوراق المالية، وهي عبارة عن مزيج من الأسهم والسندات.4- أدوات مشتقة: المشتقات المالية هي عقود تشتق قيمتها من الأصول المعنية (الأصول التي تمثل موضوع العقد)، والتي تتنوع بين الأسهم والسندات والسلع والعملات الأجنبية، وتسمح هذه العقود للمستثمر بتحقيق مكاسب أو خسائر اعتمادا على أداء الأصل موضوع العقد، ومن أهم المشتقات:1- عقود الاختيارات: هو حق شراء أو بيع بسعر محدد مسبقا لأصل معين خلال فترة زمنية معينة.2- العقود المستقبلية: هي اتفاق بين طرفين على شراء أو بيع أصل ما في وقت معين في المستقبل بسعر معين، ويتم تداول العقود المستقبلية في البورصات، ومن أجل جعل التداول ممكنا تحدد البورصة سمات معيارية للعقد، ونظرا لأن طرفي العقد قد لا يعرفان بعضهما البعض بالضرورة، فإن البورصة توفر آلية تعطي كلا من الطرفين ضمانا بأن العقد سوف يحترم، ومن أكبر البورصات التي تتداول فيها العقود المستقبلية هي مجلس شيكاغو للتجارة وبورصة شيكاغومير كانتايل.3- عقود المبادلات: تعرف عقود المبادلة على أنها سلسلة من العقود لاحقة التنفيذ حيث يتم تسوية عقد المبادلة على فترات دورية ( شهرية، ربع سنوية، نصف سنوية...) وعقد المبادلة ملزم لطرفي العقد على عكس ما هو معروف في عقود الاختيار كما أن المتحصلات أو المدفوعات (الأرباح أو الخسائر) لا يتم تسويتها يوميا كما هو الحال في العقود المستقبلية، إضافة إلى ذلك أن عقد المبادلة لا يتم تسويته مرة واحدة كما هو الحال في عقود لاحقة التنفيذ.المطلب الثاني: دوافع وأهداف الاستثمار المالي
للاستثمار المالي عدة دوافع تزيد من ميل المستثمر لهذا النوع من الاستثمارات، كما أن له عدة أهداف يسعى إلى تحقيقها كل مستثمر.وسيتم التطرق إلى ذلك من خلال ما يلي:- دوافع الاستثمار المالي.- أهداف الاستثمار المالي.1- دوافع الاستثمار المالي: هناك مجموعة من العوامل تزيد من الدافع لاستثمار الأموال الفائضة ومن هذه العوامل ما يلي: - توفر درجة عالية من الوعي الاستثماري لدى الأفراد والقطاعات؛ إن وجود مثل هذا الوعي يولد لدى المدخرين حس استثماري يجعلهم يقدرون المزايا الكثيرة المترتبة عن تشغيل مدخراتهم وتوظيفها في أصول مالية منتجة، وليس مجرد تجميدها في شكل أوراق نقدية تتناقص قيمتها الشرائية خلال الزمن بفعل القيمة الزمنية للنقود والناتجة عن التضخم، كما أن توفر مثل هذا الوعي يكسر لدى المدخرين حاجز الرهبة من المستقبل ويحثهم على قبول قدر معقول من المخاطرة، سعيا وراء الحصول على عوائد تزيد من قيمة مدخراتهم أو استثماراتهم.- توفر مناخ اقتصادي واجتماعي وسياسي مناسب للاستثمار؛ وذلك لتوفر حد أدنى من الأمان يشجع المدخرين (أصحاب الفائض المالي) على تقبل المخاطر المصاحبة لعملية الاستثمار ذاتها، ولعل من أبرز أوجه هذا المناخ وجود قوانين تحمي المستثمرين وتنظم المعاملات الاستثمارية، إضافة إلى ذلك فإن جو الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين جميعا، وكذلك القطاعات الاقتصادية المختلفة يخلق لديهم دوافع الاستثمار مسبوقة بدوافع الادخار.- تعدد الأدوات الاستثمارية؛ والتي توفر تشكيلة متنوعة من الفرص الاستثمارية تهيئ وتضمن لكل المستثمرين اختيار المجال المناسب من حيث الفرصة والزمن والعائد والمخاطرة، وهذا لا يتحقق إلا من خلال وجود سوق مالية تتسم بالكفاءة، ومن أهم شروطها العمق، الاتساع، الدينامكية وسرعة الاستجابة للأحداث بالإضافة إلى شروط الحد الأدنى لمثل هذه الأسواق، كالمكان المناسب والتسهيلات المناسبة وقنوات الاتصال بالإضافة إلى مجموعة القوانين المنظمة للمعاملات المالية بشكل عام. 2- أهداف الاستثمار المالي:يعتبر الاستثمار المالي من أكفأ أنواع تشغيل الأموال، ذلك أنه يستطيع تحقيق الأهداف التي يسعى إليها المستثمر، وهذه الأخيرة تتمثل في ما يلي:2-1- تأمين المستقبل:عادة ما يقوم بمثل هذا النوع من الاستثمارات الأشخاص الذين بلغوا سنا معينا، وهم على أبواب التقاعد حيث ميلهم لتأمين مستقبلهم يحملهم على استثمار ما لديهم من أموال في الأوراق المالية ذات العائد المتوسط المضمون دوريا مع درجة ضعيفة من المخاطرة.2-2- تحقيق أكبر دخل جاري: يركز المستثمر بالغ اهتمامه على الاستثمارات التي تحقق أكبر عائد حالي ممكن بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى.2-3- تحقيق تنمية مستمرة في الثروة مع عائد مقبول: يكون هدف المستثمر تحقيق عائد جاري مقبول مع نسبة زيادة مقبولة في قيمة رأس مال المستثمر على الدوام، حيث أن المكاسب الرأسمالية التي يمكن الحصول عليها تعتبر هدف المستثمر، ومضافا إليها العائد المحصل.2-4- حماية الأموال من انخفاض قوتها الشرائية نتيجة التضخم: إن هدف المستثمر يتمثل في تحقيق مكاسب رأسمالية، وعوائد جارية تحقق المحافظة على القدرة الشرائية لنقوده المستثمرة. 2-5-حماية الدخول من الضرائب: يكون هدف المستثمر في هذه الحالة الاستفادة من خلال استثماره هذا من المزايا الضريبية التي تمنحها التشريعات والتنظيمات المعمول بها، حيث أنه إذا قام بتوظيفها في غير هذا النوع سيتم إخضاعه إلى شرائح ضريبية عالية.2-6- تحقيق أكبر نمو ممكن للثروة: يميل إلى تحقيق مثل هذا الهدف المضاربون، حيث يختارون الاستثمارات التي لها درجة مخاطرة عالية ويقبلون عندها ما يترتب عن اختيارهم، إما بتحقيق توقيعاتهم أو تخطئتها.المطلب الثالث: خصائص الاستثمار المالي
للاستثمار المالي مجموعة من الخصائص تميزه عن باقي الاستثمارات الأخرى، ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:- للأوراق المالية أسواق على درجة عالية من الكفاءة والتنظيم قلما تتوفر للأدوات الاستثمار الأخرى فبجانب السوق الأولية و السوق الثانوية، يوجد لها أحيانا سوق ثالثة ورابعة.وبجانب الأسواق المحلية توجد للأوراق المالية أسواق دولية توفر لها مرونة أكبر في تداولها فتزيد من درجة سيولة الأموال المستثمرة فيها.- تكاليف المتاجرة بالأوراق المالية تكون عادة منخفضة بالمقارنة مع تكاليف المتاجرة بأدوات الاستثمار الأخرى، إذ أن معظم صفقات بيع وشراء الأوراق المالية تتم على الهاتف أو بواسطة شاشات الكمبيوتر فتوفر على المستثمر الكثير من النفقات، هذا إضافة إلى الأوراق المالية التي لا تحتاج إلى نفقات تخزين أو صيانة كما هو الحال بالنسبة للأصول الحقيقية. - تتمتع الأوراق المالية بخاصية التجانس؛ فأسهم شركة معينة أو سنداتها غالبا ما تكون متجانسة في قيمتها وشروطها، وهذا يسهل عملية تقييمها ويسهل من عملية احتساب معدل العائد المحقق من كل ورقة. - لا يحتاج الاستثمار في الأوراق المالية إلى خبرات متخصصة تتوجب في المستثمر كتلك المطلوب توفرها للمستثمر في الأدوات الأخرى، فالمستثمر في العقار مثلا يشترط فيه أن يكون ذا دراية واسعة في مجال العقارات، في حين يمكن للمستثمر في الأوراق المالية أيا كانت إمكانيته وثقافته أن يجد أداة الاستثمار المناسبة، وسوف يجد في هذا السوق من المختصين والسماسرة من هم على استعداد لتقديم المشورة.