باستقراء سياسات منظمات العولمة الاقتصادية وتتبعها ، وبالرجوع إلى ما تصدره منظمات العولمة الاقتصادية من تقارير ودراسات ، اتضح أن هذه السياسات تنقسم إلى ثلاثة محاور رئيسة هي:
المحور الأول : سياسات القضاء على العجز في الموازنة العامة للدولة ، وأهمها : سياسة إلغاء دعم الأسعار أو تخفيضه ، وسياسة الخصخصة ، وسياسة الإصلاح الضريبي .
المحور الثاني : سياسات القضاء على الفجوة بين الادخار والاستثمار ، وأهمها : تحرير معدل الفائدة المصرفية ،وإنشاء سوق حرة للأوراق المالية ، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر .
المحور الثالث : سياسات القضاء على العجز في ميزان المدفوعات، وأهمها : تخفيض قيمة العملة المحلية ، وإلغاء الرقابة على سوق الصرف الأجنبي ، وإزالة القيود على الاستيراد وفتح الأسواق.
وفيما يلي بيان موجز لهذه السياسات :
سياسات معالجة العجز في الموازنة العامة :
تهدف سياسات الصندوق والبنك إلى معالجة العجز في الموازنة العامة ، بمجموعة من السياسات بعضها يتعلق بزيادة الموارد وبعضها يتعلق بتقليص النفقات، وهو ما يحقق هدفا آخر هو تخفيض التضخم. وأهم هذه السياسات هو : إزالة دعم الأسعار أو تخفيضه ، والخصخصة ، والإصلاح الضريبي . وفيما يلي الحديث عن كل واحدة منها بإيجاز .
أولا : إلغاء دعم الأسعار أو تخفيضه :
ينقسم الدعم إلى قسمين رئيسين :
1 ـ دعم الأسعار : وهو المال الذي تدفعه الحكومة للبائعين والمنتجين المحليين ؛ لتخفيض أسعار السلع والخدمات التي يعرضونها ، لكي تصبح ملائمة للناس جميعهم ، أو بغرض تشجيع قطاع من القطاعات الإنتاجية، لتمكين المنتجين المحليين من المنافسة في السوق الداخلية والتصدير إلى الأسواق الخارجية .
فالدعم إذن ، أو الإعانة كما يسمى أحيانا ، مساعدة تدفعها الدول النامية إما لأسباب اجتماعية فتخفض أسعار بعض السلع الضرورية اللازمة للمستهلكين ومنها السلع الاستهلاكية الأساسية مثل: الخبز ، والأرز، والسكر، والحليب ، والزيوت النباتية ، وبعض الخدمات كالكهرباء والمياه والوقود ، وإما لأسباب اقتصادية ، فتدفع تلك المعونة لمنتجي سلعة معينة لتمكينهم من منافسة السلع الأجنبية .
ويتخذ دعم الأسعار صورا عدة منها: الإعانات المباشرة للبائعين للبيع بسعر منخفض ، وإعانة الصادرات ، وفرض رسوم على الواردات لحماية الإنتاج المحلي ، وشراء الدولة للسلع من المنتجين بأسعار تشجيعية. وهدف الدول النامية من التدخل في نظام الأسعار ـ ومنه الدعم ـ هو الحد من آثار حرية عوامل العرض والطلب الضارة بمعيشة الفقراء وذوي الدخول المنخفضة، وذلك لأن قانون العرض والطلب لا يمكن الاعتماد عليه اعتمادا كاملا لتحقيق التوزيع الأفضل للموارد ؛ وقد يترتب عليه أحيانا إهمال المصلحة العامة .
2 ـ دعم الدخول وهو الدعم المدفوع للفقراء لزيادة دخولهم وتمكينهم من شراء لوازمهم الضرورية . ويتخذ عدة صور منها: المنح الدراسية ، وإعانات الإغاثة ، والإعانات التي تصرفها الحكومة ومؤسسات الخدمة الاجتماعية ، والزكاة والصدقات التطوعية .
والدعم الذي تطالب منظمات العولمة الاقتصادية بإزالته أو تخفيضه هو دعم الأسعار فقط دون دعم الدخول . وهي تطالب بتخفيضه لتحقيق هدفين:
الأول : تقليص نفقات الدولة . فإزالة الدعم سيوفر على الدولة الأموال التي كانت تدفعها لدعم تلك السلع والخدمات ، مما يخفض النفقات في الموازنة العامة ، ويمكّن الدولة من توجيه تلك الأموال إلى مجالات أخر. الثاني : توزيع الموارد الاقتصادية توزيعا أفضل . ويزعم خبراء الصندوق وجود درجة كبيرة من الانحرافات في الأسعار النسبية في البلدان النامية ، بسبب تدخل الدولة الكبير في الاقتصاد ، الذي يؤدي إلى ظهور عدم التوازن على الصعيدين الداخلي والخارجي. كما يرى خبراء البنك الدولي أن سياسات الدعم تتطلب أموالا كثيرة، ولا تفيد الفئات الفقيرة غالبا ، بل تفيد الفئات ذات الدخل المرتفع والدخل المتوسط. ولا يمكن أن تكون سياسة دعم المستهلك مفيدة إلا إذا اقتصرت على الفئات ذات الدخل المنخفض ، مع إمكان السيطرة على أعباء ذلك الدعم وتحملها ، دون اللجوء إلى وسائل تضخمية أو معرقلة لنظام الأسعار.
وبناء على ذلك يوصي خبراء الصندوق باتباع إجراءات منها : إزالة الدعم المدفوع لمنتجي المواد الغذائية الأساسية . وإزالة الدعم المدفوع للمنشآت الحكومية . كما طالبت منظمة التجارة العالمية بإلغاء الدعم ووسعت معناه ، ليشمل كل مساهمة مالية تدفعها الحكومة أو أية هيئة عامة، تتحقق منها منفعة لمن يحصل عليها . وقد تكون هذه المساهمة قروضا أو ضمانا لقروض، أو نزولا من الحكومة عن دخل ، كالإعفاءات الضريبية أو الجمركية ، أو تقديم خدمات أو سلع معينة ، أو شراء منتجات معينة.
وقد قسمت المنظمة الدعم إلى ثلاثة أقسام :
1ـ الدعم المحظور الذي يستدعي إجراءات مضادة . ومن أمثلته :
أ ـ دعم تشجيع الصادرات كضمان التصدير ، وفتح اعتمادات للتصدير بفائدة تقل عن فائدة اقتراض الحكومة ، واستعمال مواد مدعومة لإنتاج سلع تصديرية ، والإعفاء من الضرائب . ويستثنى من هذا الدعم المحظور: دعم الصادرات بالنسبة إلى الدول الأعضاء الأقل نموا وكذلك الدول النامية التي يقل متوسط دخل الفرد السنوي فيها عن 1000 دولار أمريكي.
ب ـ الدعم المشروط باستعمال مواد محلية في إنتاج السلع المحلية بدلا من المواد المستوردة.
2ـ الدعم المسموح به الذي قد يستدعي التقاضي ، وهو الدعم الموجه إلى سلعة أو خدمة أو صناعة أو قطاع أو منطقة معينة . ويكون هذا الدعم ضارا بمصالح الدول الأعضاء ويسوغ التقاضي وإقامة الدعوى في الحالات التالية :
أ ـ إذا تعدى هذا الدعم نسبة 5% من قيمة السلعة.
ب ـ إذا خصص هذا الدعم بتغطية خسائر المشروعات .
ج ـ إذا أعفت الحكومة المشروعات العامة من الديون المستحقة عليها.
أما ما تقدمه الدولة من دعم ضمن برامج الخصخصة للمساعدة على تأهيل المشروعات العامة للبيع أو لزيادة جاذبيتها للقطاع الخاص ، فلا يعد من الدعم الذي يسوغ التقاضي .
3ـ الدعم المسموح به الذي لا يستدعي إجراءات مضادة ولا يسوغ التقاضي ، مثل :
أ ـ دعم برامج البحوث والتطوير التي تؤديها الشركات أو تعهد بها إلى مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحوث .
ب ـ دعم المناطق الأقل نموا في الدولة .
ج ـ دعم تكييف مرافق الإنتاج لتتطابق مع المتطلبات الجديدة للبيئة .
وتطالب المنظمة الدول المتقدمة بتخفيض دعمها للإنتاج المحلي الزراعي بنسبة 20% وتخفيض دعمها للصادرات الزراعية بنسبة 36% خلال ست سنوات، وتطالب الدول النامية بتخفيض دعمها المحلي بنسبة 13% وتخفيض دعمها للصادرات بنسبة 24% خلال عشر سنوات، وتعفى الدول الأقل نموا من التخفيض