واقع الاستثمارات العربية – العربية([2]):
في الوقت الذي تتدفق فيه رؤوس الأموال العربية للاستثمار في الخارج نجد أن الاستثمارات العربية المشتركة شحيحة للغاية فهي لا تتعدى خلال الفترة ( 1985ـ 2001) 174 مليار دولار([3])، ولعل ذلك لعدة أسباب منها:
1 ـ افتقاد الاستقرار التشريعي:
فالعالم العربي ـ في معظمه ـ يعيش حالة من التخبط التشريعي، وعدم ثبات القوانين الحاكمة للعملية الاستثمارية، مما يجعل رأس المال غير آمن فيضطر للبحث عن الأمان والاستقرار التشريعي في أماكن أخرى.
2 ـ افتقاد البنية التحتية:
تفتقد العديد من الدول العربية البنية التحتية اللازمة للاستثمار؛ من كهرباء، ومياه، وطرق مرصوفة، وجسور، وأسطول للنقل البحري والجوي، ونحو ذلك.
3 ـ افتقاد السياسات النقدية:
إن السياسات النقدية في العديد من الدول العربية تحتاج إلى إعادة نظر خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الفائدة.
فارتفاع أسعار الفائدة يتسبب في:
· ارتفاع تكلفة التشغيل.
· الحد من التوسعات المستقبلية.
· تحول الاستثمارات المباشرة إلى استثمارات غير مباشرة.
· تحول الاستثمارات غير المباشرة إلى استثمارات قصيرة الأجل مما يرفع من المخاطرة بالنسبة للاقتصاد القومي إذا اعتمد عليها كلية كما كان الحال في دول جنوب شرق آسيا إبان الأزمة المالية التي ضربت اقتصادها عام 1997م.
4 ـ افتقاد الشفافية:
فقد غلب على الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي: تقديم أهل الثقة على أهل الخبرة في تولِّي الأمور الخاصة بمجال الاقتصاد، وهو ما أوجد مؤسسات اقتصادية هشَّة وضعيفة، وساعد على هجرة الكفاءات الوطنية إلى الخارج وقتل روح الابتكار والإبداع بين من ارتضوا البقاء في هذه المؤسسات، والحق تبارك وتعالى يقول: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". (المائدة:
والشفافية هي توفير المعلومة المالية للمستثمر حتى يستطيع أن يبني قراره عليها، والمستثمرون يشعرون بحاجتهم إلى الشفافية ووضوح الرؤية لدى الحكومات، خاصة فيما يتعلق بالسياسيات الاجتماعية والاقتصادية وقوانين العمل.
ووضوح الرؤية يتمثل في أن تحدد الحكومات أهدافها، وتعيد ترتيب أولوياتها بالنسبة للمشروعات التي تريد تشجيعها لخدمة خطط التنمية لديها، وأن تتسم قراراتها بدقة الصياغة والوضوح ليسهل تنفيذها.
وللعلمية والحيدة أقول: إن هذه الأسباب لا تعاني منها كل الدول العربية بنفس الدرجة ولكنها تزداد أحياناً في بعض البلدان وتقل في أخرى، غير أن العملية الاستثمارية في جملتها تعاني من هذه العلل.
دوافع هجرة الأموال إلى الخارج:
يمكن تمييز نوعين من الدوافع:
الدوافع الجاذبة:
يُرجع بعض الباحثين دوافع انتقال رؤوس الأموال إلى الدول الغربية إلى توافر المناخ المناسب ونضوج الفكر الاقتصادي، وتعدد قنوات الاستثمار([4]).
واللافت للنظر ما أشار إليه الدكتور إسماعيل صبري عبد الله([5]) من أن السياسة العامة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير([6]) تتبع خطةً للتستر على خروج أموال العالم الثالث إلى دول العالم الأول، بل إنه وفقاً لدراسة تعود إلى الستينيات يشير إلى أن الأموال المملوكة لسكان العالم الثالث والمستثمرة في الخارج بدول العالم الأول توازي المديونيات التي تطالب بها هذه الدول([7]).
وأشار الدكتور إسماعيل عبد الله إلى دراسة للبنك الدولي أكدت أن حجم استثمارات المصريين في الخارج خلال الفترة من 1975 وحتى 1992 وصل إلى 83.6 مليار دولار([8]).
الدوافع الطاردة:
في الجانب الآخر يرى مختصون أن أسباب هجرة رؤوس الأموال كان نتيجة ظروف قسرية مرت بها المنطقة العربية.
فالأموال العربية عرفت طريقها للاستثمار في الخارج في السبعينيات من القرن الماضي لأسباب، منها:
1. تعاظم الطفرة النفطية في دول الخليج، وزيادة ثروات العائلات الحاكمة ورجال الأعمال الباحثين عن فرص لزيادة الثراء في الخارج.
2. الارتفاع الملحوظ في أسعار النفط في الثمانينات من القرن الماضي؛ مما ترتب عليه تكوين فوائض مالية ضخمة لدى الحكومات والأشخاص وبخاصة في دول الخليج.
3. ضعف البنية الاقتصادية العربية عامة والخليجية بوجه خاص، وفشل معظم الأنظمة في توفير البيئة المناسبة لاستثمار تلك الأموال، بل عدم وجود فرص استثمارية مجدية للاستثمار في دول الخليج التي تعتمد على النفط والغاز، فهي مجالات استثمارية مغلقة على الحكومات.
4. عدم الاستقرار السياسي في أغلب بلدان الدول العربية والإسلامية.
5. الأزمات الحادة التي كانت تمر بها الاقتصاديات العربية طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات، حيث كان معظمها مرتبطاً بالفكر الشيوعي، وكانت الحكومات مهيمنة على كافة الأنشطة الاقتصادية،ولكن وعلى الرغم من النهج الرأسمالي الذي اتبع منذ السبعينيات في اقتصاديات دول الخليج؛ فإنها من أكبر الدول التي هاجرت منها الأموال.
6. وكذلك عدم وجود أسواق مال كبيرة، حيث لا تتجاوز القيمة السوقية لإجمالي أسواق الأسهم في دول الخليج الست 140 مليار دولار([9]).
7. تعقيدات الجهاز الحكومي من روتين وبيروقراطية وفساد خانق، وتغلغل الفساد وخراب ذمم الموظفين الحكوميين المكلفين بتنفيذ برامج الإصلاح، وبخاصة بين القائمين على الأمور الاقتصادية العامة، والمسائل التي تتعلق بإعطاء تراخيص أو ممارسة نشاط اقتصادي معين.
8. عدم الرغبة الحكومية الحقيقية في الإصلاح، وتعثر العديد من برامج الإصلاح الاقتصادي في العديد من الدول العربية.
9. إن عدداً من حكومات دول الخليج تستثمر جزءاً كبيراً من عوائدها النفطية في أسواق المال الأمريكية والغربية، الأمر الذي يشجع مواطنيها على السير في خطاها بالاستثمار في الخارج.
10. إن العوائد التي تحصل عليها الأموال المستثمرة في الخارج كانت ولا تزال مغرية مقارنة بالعائد على الاستثمار في الدول العربية.